سورة آل عمران - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} يعني الدين المرضي الصحيح، كما قال تعالى: {ورضيت لكم الإسلام دينا} [3- المائدة] وقال: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} [85- آل عمران] وفتح الكسائي الألف من أن الدين ردا على أن الأولى تقديره شهد الله أنه لا إله إلا هو وشهد أن الدين عند الله الإسلام، أو شهد الله أن الدين عند الله الإسلام بأنه لا إله إلا هو، وكسر الباقون الألف على الابتداء والإسلام هو الدخول في السلم وهو الانقياد والطاعة، يقال: أسلم أي دخل في السلم واستسلم، قال قتادة في قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} قال: شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء من عند الله تعالى وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءه ولا يقبل غيره ولا يجزي إلا به.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أنا أبو إسحاق الثعلبي، أنا أبو عمرو الفراتي، أنا أبو موسى عمران بن موسى، أنا الحسن بن سفيان، أنا عمار بن عمر بن المختار، حدثني أبي عن غالب القطان قال: أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش وكنت أختلف إليه فلما كانت ذات ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة، فإذا الأعمش قائم من الليل يتهجد، فمر بهذه الآية {شَهِدَ اللَّه أَنَّه لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَة وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيمُ} ثم قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} قالها مرارا قلت لقد سمع فيها شيئا، فصليت معه وودعته، ثم قلت: إني سمعتك تقرأ آية ترددها فما بلغك فيها؟ قال لي: أوما بلغك ما فيها؟ قلت: أنا عندك منذ سنتين لم تحدثني قال: والله لا أحدثك بها إلى سنة، فكتبت على بابه ذلك اليوم وأقمت سنة، فلما مضت السنة قلت: يا أبا محمد قد مضت السنة قال: حدثني أبو وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله: إن لعبدي هذا عندي عهدا، وأنا أحق من وفى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة».
قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب َ} قال الكلبي: نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام أي وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما جاءهم العلم، يعني بيان نعته في كتبهم، وقال الربيع: إن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين رجلا من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة واستخلف يوشع بن نون، فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم وهم الذين أوتوا الكتاب من أبناء أولئك السبعين حتى أهرقوا بينهم الدماء، ووقع الشر والاختلاف، وذلك من بعد ما جاءهم العلم يعني بيان ما في التوراة {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} أي طلبا للملك والرياسة، فسلط الله عليهم الجبابرة وقال محمد بن جعفر بن الزبير: نزلت في نصارى نجران ومعناها {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يعني الإنجيل في أمر عيسى عليه السلام وفرقوا القول فيه إلا من بعد ما جاءهم العلم بأن الله واحد وأن عيسى عبده ورسوله {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} أي للمعاداة والمخالفة {وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيع الْحِسَابِ}.


قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ} أي خاصموك يا محمد في الدين، وذلك أن اليهود والنصارى قالوا لسنا على ما سميتنا به يا محمد إنما اليهودية والنصرانية نسب، والدين هو الإسلام ونحن عليه فقال الله تعالى: {فَقُلْ أَسْلَمْت وَجْهِيَ لِلَّهِ} أي انقدت لله وحده بقلبي ولساني وجميع جوارحي، وإنما خص الوجه لأنه أكرم الجوارح من الإنسان وفيه بهاؤه، فإذا خضع وجهه للشيء خضع له جميع جوارحه، وقال الفراء: معناه أخلصت عملي لله {وَمَنِ اتَّبَعَنِ} أي ومن اتبعني أسلم كما أسلمت، وأثبت نافع وأبو عمرو الياء في قوله تعالى: {اتبعني} على الأصل وحذفها الأخرون على الخط لأنها في المصحف بغير ياء.
وقوله: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ} يعني العرب {أَأَسْلَمْتُمْ} لفظه استفهام ومعناه أمر، أي أسلموا كما قال: {فهل أنتم منتهون} [91- المائدة] أي انتهوا، {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال أهل الكتاب: أسلمنا، فقال لليهود: أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله قالوا: معاذ الله، وقال النصارى: أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله؟ قالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبدا فقال الله عز وجل: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} أي تبليغ الرسالة وليس عليك الهداية {وَاللَّه بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} عالم بمن يؤمن وبمن لا يؤمن.


قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} يجحدون بآيات الله يعني القرآن، وهم اليهود والنصارى {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ} قرأ حمزة: ويقاتلون الذين يأمرون، قال ابن جريج: كان الوحي يأتي على أنبياء بني إسرائيل ولم يكن يأتيهم كتاب، فيذكِّرون قومهم فيُقتلون، فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدقهم فيذكِّرون قومهم فيقتلون أيضا فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أنا أبو إسحاق الثعلبي، أنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه الدينوري، أنا أبو نصر منصور بن جعفر النهاوندي، أنا أحمد بن يحيى بن الجارود، أنا محمد بن عمرو بن حيان، أنا محمد بن حمير، أنا أبو الحسن مولى بني أسد عن مكحول عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد عذابا يوم القيامة؟ قال: «رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ} إلى أن انتهى إلى قوله: {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا في أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة واثنا عشر رجلا من عُبَّاد بني إسرائيل أمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوهم جميعا في آخر النهار في ذلك اليوم فهم الذين ذكرهم الله في كتابه وأنزل الآية فيهم» {فَبَشِّرْهُمْ} أخبرهم {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع، وإنما أدخل الفاء على خبر إن وتقديره الذين يكفرون ويقتلون فبشرهم، لأنه لا يقال: إن زيدا فقائم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8